الوضع المظلم
السبت ٠٤ / مايو / ٢٠٢٤
Logo
  • العقد الثاني من الأزمة السورية.. غاب القط اِلعب يا فار

العقد الثاني من الأزمة السورية.. غاب القط اِلعب يا فار
عبير نصر

لم تعد إيران تُخفي أطماعها تجاه الدول العربية، بل إن إفصاحها عن هذه الأطماع، صار صريحاً وصارخاً على ضوء ما أكده الرئيس الإيراني حسن روحاني "من أن أي إجراء في العراق، وسوريا، ولبنان، وشمال أفريقيا، ومنطقة الخليج، لا يمكن اتخاذه بدون رضا إيران".

ربما لا توحي خريطة التحركات الإيرانية في المنطقة، بأنها تتمتع بسيطرة كاملة على بعض هذه الدول التي تحدث عنها روحاني، لكنها تستطيع عن طريق حلفائها، ووكلائها، أن تملي عليهم ما يفعلونه سياسياً، وعسكرياً، في مناطقهم. وأدلّ مثال على هذا أنّ تقارير دولية أكدت مشاركة الميليشيات الإيرانية في سوريا بشكل مباشر في الحرب دفاعاً عن النظام السوري، إلى أن جاء اعتراف رسمي بذلك على لسان قائد وحدة مدفعية فيلق القدس، وهي ذراع التدخل الخارجي للحرس الثوري الإيراني، حيث قال: "مع اندلاع الحرب الأهلية السورية، استدعى المرشد الأعلى، قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، وعيّنه لحماية حكومة بشار الأسد".

وحقيقة لم يعد يخفى على أحد أنّ الخريطة السياسية الجديدة لسوريا تنطوي على المزيد من الأفاعي أكثر من السلالم. ولا يخفى أيضاً أنّ الأفعى الأكثر خطراً ودهاء وتلوناً هي إيران، لكونها أشدّ الدولة براغماتية في التاريخ المعاصر، فهي دولة فارسية، ودولة شيعية، ودولة إسلامية وقومية، ودولة ملالي. وهي دولة مخابرات، ودولة سياسة ومليشيات. ولكونها عدو أمريكا وحليفها، وعدو "الكيان الصهيوني" وحليفه، وهي صديقة العرب وعدوهم، تتبنى الشيعة وتقاتل بهم أوطانهم خدمةً لمشروعها التوسعي.

ولا شك أن أهمية الموقع الجغرافي لإيران والمصالح الاقتصادية الكبيرة المرتبطة بهذا الموقع، يعطيها ميزة كبيرة في تشبيك المصالح مع الدول الكبرى، لاسيما خلال الحروب التي لها تداعيات جيوسياسية إقليمية، كما هي حال الحرب الروسية الجارية ضد أوكرانيا والتي تبدو مطبوخة بشكلٍ يشبع تماماً جوع الإيرانيين: "بوتين وبايدن ومن يحركون القِدر خلقوا معاً سيناريوهات لا يمكن لإيران إلا أن تحلم بها: سفاح نووي ينكل بدولة تجردت من السلاح النووي بعد إيمانها، وبسذاجة، بالتعهدات الاحتفالية التي باعتها إياها ثلاث دول نووية، والآن تجلس هذه القوى الكاذبة في فيينا وتطلب من إيران وقف جهودها لتصبح دولة نووية".

ولعلّ الإحساس بخطورة استغلال إيران للأزمة الأوكرانية لصالح ملفها النووي، هو ما دفع بالخارجية الأمريكية على لسان المتحدث باسمها، نيد برايس، إلى الإعلان في اليوم التالي لبدء الحرب في أوكرانيا، أنّ الولايات المتحدة ستُبقي اتصالاتها مع روسيا بشأن جهود منع إيران من تطوير أسلحة نووية، مؤكداً أنه "ينبغي ألا يمنح الغزو الروسي لأوكرانيا إيرانَ الضوء الأخضر لتطوير سلاح نووي". وبحكم وقوف كلّ من تركيا وإسرائيل إلى جانب كييف، فإن طهران ترى أن هذا المعطى الجديد يشكل عاملاً مهماً لاستثماره، لاسيما في الساحة السورية، حيث الحساسية "الروسية - الإسرائيلية" بسبب عمليات القصف الإسرائيلية للأراضي السورية، بحجة استهداف الوجود العسكري لإيران وحليفها حزب الله.

وقد كان لافتاً، مؤخراً، قيام القوات الروسية والسورية بمناورة جوية مشتركة بالقرب من المنطقة الحدودية بين سوريا وإسرائيل، وهو مؤشر يُمكن لإيران البناء عليه للاستفادة من الدور الروسي في سوريا في مواجهة إسرائيل، خاصة أن ثمة قناعة سائدة بأن عمليات القصف الإسرائيلية للوجود العسكري الإيراني في سوريا كانت تتمّ بالتنسيق مع الجانب الروسي.

ثمة من يؤكد أن روسيا سقطت في أوحال أوكرانيا كما هو حالها في سوريا، وأن طريق الروس طويلة وستستنزف قواهم أكثر بأضعاف مما استنزفوا بسوريا. لذا فالملف السوري حالياً أمام واقع عودة الإيرانيين ليكونوا اللاعب رقم واحد فيه، خاصة أنه في اليوم الثاني من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، اتصل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بنظيره الروسي وقال له "إن بلاده تنظر بكثير من الريبة وتشجب محاولة الولايات المتحدة تمديد حلف الناتو، وإن إيران تتفهم صدّ حكومة روسيا الفيدرالية محاولة حصارها بضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، إلا أن الجمهورية الإسلامية تنصح بتوخي الحذر واعتماد الحلول الدبلوماسية".

المؤكد، أنّ تأخر روسيا بحسم العملية العسكرية في أوكرانيا سيضع بوتين في وضع أكثر صعوبة، وعليه لن يكون هذا هو الوقت لتصفية الحسابات لمواقف إيران الرمادية. وسط هذه المعطيات سارع النظام السوري إلى إيران، يعيد ويستجدي خطب ودها بعد أن جافاها قليلاً تحت الضغط الروسي. ومع تسارع الأحداث في أوكرانيا، والضغوطات الدولية التي واجهتها روسيا، والتي دفعت بوتين للتهديد باستخدام السلاح النووي، حط رئيس "مكتب الأمن الوطني" التابع للنظام السوري، اللواء علي مملوك، في العاصمة الإيرانية طهران، والتقى كبار المسؤولين الإيرانيين، على رأسهم الرئيس إبراهيم رئيسي. كما استقبل الأسد كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي في دمشق، وتمّ خلال اللقاء بحث علاقات النظام مع إيران، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات، كما تمّ التطرق إلى الملفات الإقليمية والدولية، بما في ذلك التطورات في أوكرانيا.

والحقيقة توقيت الزيارة والشخصيات التي التقى بها مملوك، إذ قلّما يُعلن النظام عن تحركاته وجولاته الخارجية، يثير التساؤلات حول أسبابها، وعلاقتها بالموقف الذي وضعت روسيا نفسها فيه بعد غزو أوكرانيا. في الغارديان، ربط مقال للعقيد السابق بالجيش البريطاني هاميش ستيفن دي بريتون-جوردون، بين ما يجري في أوكرانيا وما حدث في سوريا منذ سنوات، وقال "إن الغرب تراجع واكتفى بالمشاهدة في سوريا، لا يجب أن يفعل الشيء نفسه في أوكرانيا، وحان الوقت للولايات المتحدة وحلفائها لإظهار قوتهم في مواجهة عدوان بوتين. لقد تعلمنا أنه لا يوجد حل آخر".

نافل القول، إنّ سوريا لا شك تمثل ساحةً مرتقبةً أكثر تأثراً بالحرب الأوكرانية، إذ قد يمثل الضغط على النفوذ الروسي في سوريا ورقةً يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة وأوروبا. ويشير البعض إلى أن التوصّل لتسوية بين أطراف النزاع في أوكرانيا، لن يستثني الوصول إلى مقايضة ما بشأن سوريا.

وجدير بالذكر، الإشارة إلى أن روسيا عندما حاولت أن تُخفف من الضغوط الأمريكية والأوروبية بعد ضمها شبه جزيرة القرم في عام 2014، قرَّرت التدخل في النزاع السوري في 2015 إلى جانب بشار الأسد، إذ كان ضمن دوافعها خلق توازن وبؤرة صراع بعيداً عن فضائها الجيوسياسي، لهذا فإن الدخول في حالة حرب جديدة سيدخل المنطقة في اصطفافات دولية وحرب باردة حتمية. في المقابل تشعر إيران بارتياحٍ كبير، وغير مُعلن، لتفاقم الأزمة الأوكرانية، بينما لن يكون أمام "إسرائيل" إلا خيار واحد، أيّ الوقوف في الخندق الأمريكي الأوروبي في نهاية المطاف، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارتها علاقاتها المتميزة مع روسيا، وتحمّل تَبِعات هذه الخسارة في سوريا وإيران، ومنطقة الشّرق الأوسط برمّتها.

فالصاروخ السوري الذي جرى إطلاقه باتّجاه العمق الفلسطيني المحتل، ووصل إلى مدينة أم الفحم الشمالية بعد الغارة الصاروخية الإسرائيلية على جنوب دمشق، لا يُمكن أن يأتي إلا بتنسيق مُسبق مع موسكو، وربما بإيعازٍ منها. فالرّسالة واضحة جداً وملخّصها إن الرّد السوري على الغارات الإسرائيلية ربما بات وشيكاً، والأمر يتوقّف على موقف إسرائيل من أزمة أوكرانيا.

ليفانت - عبير نصر

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!